فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في شعب الإيمان، عن ابن عباس قال: إن من الملائكة قبيلة يقال لهم الجن، فكان إبليس منهم، وكان يوسوس ما بين السماء والأرض، فعصى فسخط الله عليه، فمسخه الله شيطانًا رجيمًا.
وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس في قوله: {إلا إبليس كان من الجن} قال: كان خازن الجنان فسمي بالجن.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة، عن الضحاك قال: اختلف ابن عباس وابن مسعود في إبليس فقال أحدهما: كان من سبط من الملائكة يقال لهم الجن.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر، عن ابن عباس قال: إن إبليس كان من أشرف الملائكة وأكرمهم قبيلة وكان خازنًا على الجنان، وكان له سلطان السماء الدنيا، وكان له مجمع البحرين، بحر الروم وفارس، أحدهما قبل المشرق، والآخر قبل المغرب، وسلطان الأرض، وكان مما سولت نفسه مع قضاء الله، أنه يرى أن له بذلك عظمة وشرفًا على أهل السماء، فوقع في نفسه من ذلك كبر لم يعلم ذلك أحد إلا الله، فلما كان عند السجود لآدم حين أمره الله أن يسجد لآدم، استخرج الله كبره عند السجود، فلعنه إلى يوم القيامة {وكان من الجن} قال ابن عباس: إنما سمي بالجنان، لأنه كان خازنًا عليها.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {إلا إبليس كان من الجن} قال: كان من قبيل من الملائكة يقال لهم الجن، وكان ابن عباس يقول: لو لم يكن من الملائكة، لم يؤمر بالسجود، وكان على خزانة السماء الدنيا.
وأخرج ابن جرير وابن الأنباري في كتاب الأضداد وأبو الشيخ في العظمة، عن الحسن قال: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين، وإنه لأصل الجن، كما أن آدم أصل الإنس.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن الحسن قال: قاتل الله أقوامًا يزعمون أن إبليس كان من ملائكة الله، والله تعالى يقول: {كان من الجن}.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة، عن سعيد بن جبير في قوله: {كان من الجن} قال: من خزنة الجنان.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن الأنباري في الأضداد من وجه آخر، عن سعيد بن جبير في قوله: {كان من الجن} قال: هم حي من الملائكة لم يزالوا يصوغون حلي أهل الجنة حتى تقوم الساعة.
وأخرج البيهقي في الشعب، عن سعيد بن جبير في قوله: {كان من الجن} قال: من الجنانين الذين يعملون في الجنة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة، عن ابن شهاب في قوله: {إلا إبليس كان من الجن} قال: إبليس أبو الجن، كما أن آدم أبو الإنس، وآدم من الإنس وهو أبوهم.
وإبليس من الجن وهو أبوهم، وقد تبين للناس ذلك حين قال الله: {أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني}.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: كان إبليس رئيسًا من الملائكة في سماء الدنيا.
وأخرج ابن جرير، عن سعيد بن منصور قال: كانت الملائكة تقاتل الجن، فسبي إبليس، وكان صغيرًا فكان مع الملائكة فتعبد معها.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن شهر بن حوشب قال: كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة، فأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة، عن قتادة في قوله: {إلا إبليس كان من الجن} قال: أجن من طاعة الله.
وأخرج أبو الشيخ، عن سعيد بن جبير قال: لما لعن إبليس تغيرت صورته عن صورة الملائكة، فجزع لذلك فرن رنة، فكل رنة في الدنيا إلى يوم القيامة من رنته.
وأخرج أبو الشيخ، عن نوف قال كان إبليس رئيس سماء الدنيا.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {ففسق عن أمر ربه} قال: في السجود لآدم.
وأخرج ابن المنذر، عن الشعبي أنه سئل عن إبليس هل له زوجة؟ فقال: إن ذلك العرس ما سمعت به.
وأخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {أفتتخذونه وذريته} قال: ولد إبليس خمسة: ثبر والأعور وزلنبور ومسوط وداسم، فمسوط صاحب الصخب، والأعور وداسم لا أدري ما يفعلان، والثبر صاحب المصائب، وزلنبور الذي يفرق بين الناس، ويبصر الرجل عيوب أهله.
وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ، عن مجاهد في قوله: {أفتتخذونه وذريته} قال: باض إبليس خمس بيضات: زلنبور وداسم وثبر ومسوط والأعور، فأما الأعور، فصاحب الزنا، وأما ثبر فصاحب المصائب، وأما مسوط فصاحب أخبار الكذب، يلقيها على أفواه الناس ولا يجدون لها أصلًا، وأما داسم فهو صاحب البيوت إذا دخل بيته ولم يسلم دخل معه، وإذا أكل أكل معه ويريه من متاع البيت ما لا يحصى موضعه، وأما زلنبور فهو صاحب الأسواق ويضع رأسه في كل سوق بين السماء والأرض.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن قتادة في قوله: {أفتتخذونه وذريته} قال: هم أولاده يتوالدون كما يتوالد بنو آدم وهم أكثر عددًا.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن سفيان قال: باض إبليس خمس بيضات: وذريته من ذلك. قال: وبلغني أنه يجتمع على مؤمن واحد أكثر من ربيعة ومضر.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {بئس للظالمين بدلًا} قال بئسما استبدلوا بعبادة ربهم إذ أطاعوا إبليس لعنه الله تعالى. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {وَإِذَ قُلْنَا}: أي: اذْكُرْ.
قوله: {كَانَ مِنَ الجن} فيه وجهان، أظهرهما: أنه استئنافٌ يفيد التعليلَ جوابًا لسؤالٍ مقدَّر. والثاني: أنَّ الجملةَ حاليةٌ، وقد معها مرادةٌ. قاله أبو البقاء وليس بالجليِّ.
قوله: {فَفَسَقَ} السببيةُ في الفاءِ ظاهرةٌ، تَسَبَّبَ عن كونِه من الجنِّ الفِسْقُ. وقال أبو البقاء: إنما أدخل الفاءَ هنا لأنَّ المعنى: إلا إبليس امتنع فَفَسَق. قلت: إنْ عَنَى أنَّ قولَه: {كَانَ مِنَ الجن} وُضِعَ موضعَ قوله: امتنع فيُحتمل مع بُعْدِه، وإنْ عنَى أنه حُذِفَ فِعْلٌ عُطِفَ عليه هذا فليس بصحيحٍ للاستغناءِ عنه.
قوله: {عَنْ أمر} {عن} على بابها من المجاوزة، وهي متعلِّقَةٌ بفَسَق، أي: خرج مجاوزًا أمرَ ربِّه. وقيل: هي بمعنى الباء، أي: بسببِ أمرِه، فإنه فَعَّالٌ لِما يريدُ.
قوله: {وذُرِّيَّتَه} يجوز في الواو أَنْ تكونَ عاطفةً وهو الظاهرُ، وأنْ تكونَ بمعنى مع. و{مِنْ دوني} يجوز تعلُّقُه بالاتخاذ، وبمحذوفٍ على أنه صفةٌ لأَوْلِياء.
قوله: {وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} جملةٌ حاليةٌ مِنْ مفعولِ الاتخاذِ أو فاعلِه؛ لأنَّ فيها مصحِّحًا لكلٍ من الوجهين وهو الرابطُ.
قوله: {بِئْسَ} فاعُلها مضمرٌ مفسَّرٌ بتمييزه. والمخصوص بالذمِّ محذوفٌ تقديرُه: بِئْسَ البَدَلُ إبليسُ وذريتُه و{للظالمين} متعلِّقٌ بمحذوفٍ حالًا مِنْ {بَدَلًا}. وقيل: متعلِّقٌ بفعل الذَّمِّ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَإِذَ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لأدم فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}.
أظْهَرَ للملائكة شَظِيَّة مما استخلص به آدم فسجدوا بتيسيرٍ من الله- سبحانه، وسَكَّرَ بَصَرَ اللعين فما شهد منه غير الْعَيْنِ ففسق عن أمر ربه، ولا صدق في قوله: {أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ} لمَا فَسَقَ عن الأمر، ولكن أَدركته الشقَّاوة الأصيلة فلم تنفعه الوسيلة بالحيلة.
قوله جلّ ذكره: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلَيَاءَ مِن دُونِى وَهُمْ لَكُمْ عَدُوُّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}.
في الآية إشارة إلى أَنَّ مَنْ يُفْرِدْه بالولاية فلا يقتفي غَيْرَه ولا يخافُ غيرَه. اهـ.

.من فوائد ابن العربي في الآية:

قال رحمه الله:
الْآيَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَلَوْلَا إذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ إنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْك مَالًا وَوَلَدًا} فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
المسألة الأولى:
الذِّكْرُ مَشْرُوعٌ لِلْعَبْدِ فِي كُلِّ حَالٍ عَلَى النَّدْبِ، وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ كُلَّ أَحْيَانِهِ.
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحِ: «لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتنَا، فَقُضِيَ بَيْنَهَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبَدًا».
وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ فِيهَا ذِكْرُ اللَّهِ إذَا دَخَلَ أَحَدُنَا مَنْزِلَهُ أَوْ مَسْجِدَهُ، وَهِيَ:
المسألة الثانية:
أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ اللَّهُ: {وَلَوْلَا إذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ} أَيْ مَنْزِلَك قُلْت: {مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ}.
قَالَ أَشْهَبُ: قَالَ مَالِكٌ: يَنْبَغِي لِكُلِّ مَنْ دَخَلَ مَنْزِلَهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ لِي حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ: رَأَيْت عَلَى بَابِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ مَكْتُوبًا {مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ}.
وَرُوِيَ أَنَّ مَنْ قَالَ أَرْبَعًا أَمِنَ مِنْ أَرْبَعٍ، مَنْ قَالَ هَذِهِ أَمِنَ مِنْ هَذَا، وَمَنْ قَالَ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ أَمِنَ مِنْ كَيْدِ النَّاسِ لَهُ قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}. وَمَنْ قَالَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إلَى اللَّهِ أَمَّنَهُ اللَّهُ مِنْ الْمَكْرِ.
قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ الْعَبْدِ الصَّالِحِ أَنَّهُ قَالَ: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إلَى اللَّهِ إنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ}.
وَمَنْ قَالَ: {لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ}، أَمِنَ مِنْ الْغَمِّ، وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: مَا مِنْ أَحَدٍ يَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ إلَّا رَضِيَ بِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْآيَةُ السَّادِسَةُ قَوْله تَعَالَى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}.
فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ:
المسألة الأولى:
قَدْ بَيَّنَّا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ أَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ مَا عَدَا اللَّهَ وَصِفَاتِهِ الْعُلَا لَهُ أَوَّلٌ، فَإِنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ مَا عَدَا نَعِيمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَعَذَابَ أَهْلِ النَّارِ لَهُ آخِرٌ، وَكُلُّ مَا لَا آخِرَ لَهُ فَهُوَ الْبَاقِي حَقِيقَةً.
وَلَكِنَّ الْبَاقِيَ بِالْحَقِّ وَالْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْأَمَدِ.
فَأَمَّا نَعِيمُ الْجَنَّةِ فَأُصُولٌ مُذْ خُلِقَتْ لَمْ تَفْنَ وَلَا تَفْنَى بِخَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَفُرُوعٌ وَهِيَ النِّعَمُ، هِيَ أَعْرَاضٌ إنَّمَا تُوصَفُ بِالْبَقَاءِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ أَمْثَالَهَا يَتَجَدَّدُ مِنْ غَيْرِ انْقِطَاعٍ، كَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ وَغَيْرِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَبْلُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ بِقَوْلِهِ: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} فَهَذَا فَنَاءٌ وَتَجْدِيدٌ، فَيَجْعَلُهُ بَقَاءً مَجَازًا بِالْإِضَافَةِ إلَى غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يَفْنَى فَلَا يَعُودُ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، وَهِيَ:
المسألة الثانية:
فَالْأَعْمَالُ الَّتِي تَصْدُرُ عَنْ الْخَلْقِ مِنْ حَسَنٍ وَقَبِيحٍ لَا بَقَاءَ لَهَا، وَلَا تَجَدُّدَ بَعْدَ فَنَاءِ الْخَلْقِ، فَهِيَ بَاقِيَاتٌ صَالِحَاتٌ وَطَالِحَاتٌ، حَسَنَاتٌ وَسَيِّئَاتٌ فِي الْحَقِيقَةِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْأَعْمَالُ أَسْبَابًا فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَكَانَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ دَائِمَيْنِ لَا يَنْقَطِعَانِ، وَبَاقِيَيْنِ لَا يَفْنَيَانِ، كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ، وُصِفَتْ الْأَعْمَالُ بِالْبَقَاءِ، حَمْلًا مَجَازِيًّا عَلَيْهَا، عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ مِنْ وَجْهِ تَسْمِيَةِ الْمَجَازِ.
وَأَمَّا تَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِسَبَبِهِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهِ، أَوْ تَسْمِيَتُهُ بِفَائِدَتِهِ الْمَقْصُودَةِ بِهِ، فَنَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهَا خَيْرُ مَا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلٍ وَمَالٍ، وَعَمَلٍ وَحَالٍ فِي الْمَآلِ، فَقَالَ، وَهِيَ:
المسألة الثالثة:
وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّك ثَوَابًا مِنْ الْمَالِ وَالْبَنِينَ، وَخَيْرٌ أَمَلًا فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَ إرَادَتَهُ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ، وَهِيَ:
المسألة الرابعة:
أَنْ يَكُونَ بِهَذَا الْعُمُومِ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ كُلَّ عَمَلٍ صَالِحٍ، وَهُوَ الَّذِي وَعَدَ بِالثَّوَابِ عَلَيْهِ، إلَّا أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ عَيَّنُوا فِي ذَلِكَ أَقْوَالًا، وَرَوَوْا فِيهِ أَحَادِيثَ، وَاخْتَارُوا مِنْ ذَلِكَ أَنْوَاعًا يَكْثُرُ تَعْدَادُهَا، وَيَطُولُ إيرَادُهَا، أُمَّهَاتُهَا أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ: رَوَى مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، «أَنَّ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ قَوْلُ الْعَبْدِ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ».
الثَّانِي: رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِثْلَهُ.
الثَّالِثُ: مِثْلُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الرَّابِعُ: أَنَّهَا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ؛ وَبِهِ أَقُولُ، وَإِلَيْهِ أَمِيلُ، وَلَيْسَ فِي الْبَابِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَمَّا أَنَّ فَضْلَ التَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالْحَوْقَلَةِ مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحِ كَثِيرٌ، وَلَا مِثْلَ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي ذَلِكَ بِحِسَابٍ وَلَا تَقْدِيرٍ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ.